هل أَديتُ الرسالة؟

في صيف 1996 ظهر ربي لي في الحلم ليلاََ وقال " أريد أَن ارسلك إلى لبنان , ثم إلى مكانِِ آخر , أَتذهب؟"


قُلتُ طبعاََ يا رب , ولكن " هل أَستطيعُ أَن آخُذَ معي زوجتي واطفالي؟ " فقال الربُ " لا "


فقلتُ لما لا , وهم في الاردن ليس لهم أَحد. فقال الربُ " لا "


فقلتُ هم في الاردن أَغراب , وفي لبنانَ سنكون جميعاََ سوية! فقال الربُ بعصبية" هذا ليسَ  شغلك ".


وإِختفى الربُ يسوع من أمامي , وإِختفت الصورة التي كلمني منها , وإِظلَمَت الغرفة حيثُ كنا


فناديتُ يا ربي لما غضبتَ عليَّ, إِني آسفِِ , ارجوك إِرجع أرجوك إرجع


فأَتَتْ رَشقَةُُ من ماء بوجهي وعلى ملابسي من حيثُ لا أعلم , واستيقظتُ من الحلم مفزوعاََ.


ما أَخافنيََ وأفزعنيََ كان غضب الرب من الحاحي عليهِ بطلبي, وانا لا يهمني شيء في هذهِ الدنيا سوى رضاه عني , وذهبتُ في اليوم الثاني إلى السفارة اللبنانية في عمان وقمتُ بطلب الفيزا للسفر إلى لبنان , وكان هناك طابور طويل امام السفارة يحاول الجميع طلب إذن السفر , ولا يقلُ عدد الواقفين في الطابور عن المئة او يزيد معظمهم من العراقيين, وملئتُ الاستمارات وقدمتها عندما حان دوري للتقديم وانتظرتُ النتيجة خارج السفارة مع المنتظرين .


بعد عدة ساعات طُلبنا أنا وشخصين آخرين وكانا تاجرين من قبل القنصل إلى داخل السفارة ومُنحنا إذن السفر إلى لبنان ورفض الباقين جميعاََ.


بعد أيام سافرتُ بمفردي بالطائرة إلى بيروت , ولما وصلتُ هناك لم أكن أعرف احد , وطلبتُ سيارة اجرة وسألتُ السائق أن يأخذني إلى أي فندق, وقال سآخذك إلى شارع الحمراء وفي الطريق من المطار إلى شارع الحمراء أراني وشرح لي عن الابنية والعمارات والكنائس والجوامع التي إحترقت وتضررت وتهدمت جراء الحرب الاهلية في لبنان والتي لم تكن قد أصلحت أو أُزيلت بعد, فقلتُ لهُ " الله لا يُسامحكم أبداََ على فعلتكم هذهِ , كيف إستطعتم تدمير بلدكم بأنفسكم؟


وأقمتُ في فندق لبضعة أيام من دون أن يكون لي أي عمل أو وجهة أتوجهُ اليها , ثم ناداني صاحب الفندق وأعطاني صورة صغيرة لمريم العذراء , وهنا إستفسرتُ منهُ إِن كان مسيحياََ فقال لا أنا مُسلم ولكني أُحبُ العذراء وقال لي " لك أكثر من عشرة ايام تقيم هنا في الفندق وسيكلفك هذا كثيراََ , فلما لا تذهب لتقيم مع بعض الاخوة العراقيين فذلك يكون أوفر لك" فقلتُ أنا لا أعرف أحد في بيروت لأذهب اليهِ , فقال حاول أن تذهب إلى منطقة الاشرفية فهناك يقيم عراقيون كثيرون قد يساعدوك لإيجاد سكن بينهم.


وذهبتُ إلى منطقة الاشرفية , وهناك التقيتُ ببعض الاخوة من مسيحيي العراق, ووصف لي أحدهم أن هناك أمرأة مسنة لها عمارة في منطقة المتحف وهي تؤجر الغرف التي لديها للطلاب فقد تقبل أن تسكن ليديها لبعض الوقت. ثم ذهبت إلى العنوان الذي وصفهُ لي, وهناك التقيتُ بالإمرأة صاحبة العمارة وبعد جهد جهيد وافقت أن أقيم ليديها في الطابق الرابع في غرفة أحد الطلاب الذين يعودون إلى ذويهم أثناء العطلة الدراسية الصيفية, والشرط كان أن لا أبقى عندها لأكثر من شهر واحد فقط, وقبلتُ الشرط , حيثُ لم أكن أعلم فترة بقائي في لبنان, وكانت الصدفة إن المرأة كانت من مسيحي لبنان.


في اليوم التالي عندما تجاذبنا الحديث سويةََ ذكرت المرأةُ لي " بأنها قد شاهدت ايليا النبي وهي صغيرة السن  وفي بيروت بالذات , وقالت يظن الجميع إِنَّ ايليا طويل القامة ومجعد الشعر ولكنهُ ليس كذلك , بل هو اصلع الرأس وقصير القامة , وقد أنقذني من ورطة كبيرة عندما التقيتهُ حيتُ كنت ذاهبة لاطلب عملاََ لدى أحد اطباء الاسنان وتعقدت الامور ووجدت نفسي في موقف حرج ولا استطيع الخروج لان الموجود هناك كان يريد الاعتداء عليَّ وقد أغلق الباب بالمفتاح , وعندما شرع بمحاولة الامساك بي , دق طارق الباب بقوة شديدة , ولما فتح الطبيب الباب , كان هناك هذا الرجل القصير وقال للطبيب بحزم " جئتُ لآخذ الفتاة من هنا إلى بيتها" ولما ذهبتُ معهُ , اخذني في طريق ليست قصيرة بعيداََ عن عيادة الطبيب ,  وقال لي بعدها " أنا إيليا وقد أنقذتك من ورطتكِ , فلا تعودي تأتي إلى هنا ثانيةََ , عودي إلى بيتك بسلام " وغاب من أمامي.


بعد عدة أيام التقيت بعدد من مسيحيي العراق في منطقة المتحف حيث كانت المرأة, كان معظمهم ينتظرون إِكتمال الموافقات على معاملات سفرهم إلى أُستراليا وكندا وأمريكا , وقد قصصتُ عليهم جميعاََ رؤياي للسيد المسيح لما كنتُ صغيراُُ في مدينة الموصل في العراق وقد دعاني أغلبهم لتناول الغذاء معهم بالرغم من إني كنت قد التقيت بهم لاول مرة , وكنت طيلة الوقت احس بأني بين أهلي وأقاربي وكأنهم أصدقاء لي من زمان بعيد.


في أحد الايام كلمتني المرأة بأنها شاهدة تابوت العهد في رؤية في أثناء الصلاة في كنيسة قديمة في بيروت في منطقة المتحف قريب من عمارتها وقالت بعد فترة أغلقوا الكنيسة وبقي بعض من غرفها هي المقهى الذي بجنب عمارتي في الزاوية , وقد كنت أتردد إلى هذهِ المقهى لألتقي يالإخوة العراقيين دائماََ من دون أن أعلم إي شيءِِ عن تاريخها الذي سردتهُ المرأة المسنة عليّ. ولكي أتأكد من رؤياها فعلياََ طلبتُ منها أن تصف لي شكل التابوت, وهنا وصفتهُ بالصندوق الصغير والذي رأته لبضع لحظات فقط.


وفي أحد الايام طلبتني المرأة لأُكلم إبنتها التي قدمت لزيارتها من كندا لبضعة أيام حيتُ كانت تدرس هناك, وطلبت مني أَن أُكلمها عن روياي للمسيح ومريم العذراء في طفولتي , لأَنَّ إبنتها كانت قد إِنظمت إلى شهود يهوا في كندا , وحاولت أن أقص عليها رؤياي ولكنها لم تكن تريد أن تسمع شيئاََ حسب إحساسي أثناء كلامي معها , فتركتها لشأنها, فقد أغلقت تفكيرها ولم يعد بالامكان إفهامها أي شيء فقد تاهت عن معرفة حقيقة فاديها ومخلصها الرب الإله الابن يسوع المسيح.


في أحد الايام وانا نائِم في غرفتي في الطابق الرابع وكنتُ قد تركتُ الشباك مفتوحاََ إستيقظتُ وفي أنفي رائحة المطر ولما كنا في شهر تموز وفي عز الصيف تعجبتُ من الموضوع وقمتُ ونظرتُ من النافذة إلى الخارج فإذا بالمطر قد بلل كل مكان, وهنا بالرغم من عجبي إلا اني عُدتُ إلى النوم ثانيةِِ , وفي عصر اليوم التالي الذي كان مشمساََ كعادة أيام الصيف في بيروت ,  جاء أحد الاصدقاء من الذين تعرفت عليهم من مسيحيي العراق , وقال دعنا نذهب إلى كنيسة السريان الكاثوليك لأُعرفك ببعض الاخوة المصريين فهم يسكنون بالمبنى المجاور للكنيسة ويقومون بحراستها , وهنا أخذني لزيارة الاخوة واثناء ما كنا نتناول الشاي في ساحة الكنيسة الخارجية امام سكنهم ونشاهد التلفاز إِذ السماء إبتدأت تبرق وترعد ثم جأت زخات من مطر قوي جداََ , بحيث تركنا الساحة وأدخلنا التلفاز إلى داخل السكن كي لا يحترق.  


ولما سألتُ اللبنانيين الساكنين  في منطقة المتحف في اليوم التالي إن كانت تُمطر عندهم في الصيف بعض المرات عادةََ فقالوا إننا لا نتذكر إنها أمطرت عندنا هنا في الصيف سابقاََ أبدا , فعندئذِِ فهمتُ إِنَّ رشقت الماء التي بللت وجهي وملابسي عند غضب المسيح وإِختفائهُ في حلمي , كانت رمز لرشقة المطر لي في صيف بيروت التي بللت وجهي وملابسي في ساحة الكنيسة في اليوم السابق.


وبيقيتُ لمدة خمسة واربعين يوماََ في بيروت , ولم اتمكن من أن اعرف إِن كنتُ قد أديتُ الرسالة التي طلب المسيح مني تأديتها في لبنان أو لا, وأخيراََ إتصلت زوجتي بي تلفونياََ من الاردن لتُبلغني بأَنَ إِجراآت سفري إلى أوربا قد إِكتملت هي الاخرى وبوجوب عودتي إلى الاردن لكي أسافر من هناك إلى أوربا.


كثيراََ ما فكرت " ماذا لو سمح لي السيد المسيح أن آخذ عائلتي معي إلى لبنان" , فقد سنحت لي الفرصة للعمل في لبنان وبمرتب إبتدائي مقبول كمهندس في شركة للمقاولات هناك , وأن أحصل على الجنسية اللبنانية أيضاََ, ولو كنت بقيتُ هناك وإستقرت العائلة  في لبنان, لكنا من جملة من مروا بمحنة حرب لبنان مع إسرائيل الاخيرة , ولكنا الآن نبحث من جديد عن مكانِ آمَن للإستقرار فيهِ مع أفراد العائلة.


لا علم لي إن كان المكان الذي أنا فيهِ الآن هو الذي قصدهُ المسيح بقولهِ " وبعدها أرسلك إلى مكان آخر" , ولكني أعلم بأني على إستعداد لعمل أي شيء يطلبهُ مني المسيح وفي أي وقت  ومهما كانت الضروف , لاني أعلم علم اليقين إنَّهُ هو سيتولى كل الامور وخير مما أنا أستطيع أَن أُدرك أو أتصَور فهو القادر على كل شيء, وهو العليم البصير بكل خفايا الامور.

بقلم / نوري كريم داؤد

25 / 09 / 2006



"إرجع إلى ألمجلة"